الأدب العربي مليء بقصص الحب العذري، وفي كتاب الأغاني لأبي الفرج
الأصفهاني، وهو أحد كتب التراث العربي، ورد بها قصة قيس وليلى والمعروفة
بقصة مجنون ليلى.من منا لا يعرف كتاب «الأغاني» لصاحبه «أبو الفرج
الأصفهاني» فهو كتاب بلغت شهرته الآفاق، كأغنى الموسوعات الأدبية التي
أُلفت في القرن الرابع الهجري، وقد قام عليه صاحبه خمسين عامًا حتى انتهى
منه، ورغم أنه كتب في القرن الرابع الهجري إلا أنه صيته يصل إلينا حتى
وقتنا هذا، ونعرف بعض ما قيل فيه من قصص وأخبار عن الشعراء والخلفاء
والغناء وقصص الحب.
أحدث طبعات كتاب الأغاني من إصدار الهيئة العامة المصرية للكتاب.
من هو صاحب الأغاني أبو الفرج الأصفهاني؟
أبو الفرج الأَصْبَهاني (الأصفهاني) ولد سنة 284 هجرية وتوفي سنة 356
هجرية، واسمه «علي بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم بن عبدالرحمن بن
مروان بن عبد الله بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية القرشي»، من
علماء اللغة والأدب، ولد في أصبهان ببغداد، ونشأ وتوفي بها لذلك يقول
البعض عنه (الأصبهاني)؛ لذا بدأ الخلط عندما نسبوه إلى الفرس.
وسنعرض من ضمن ما جاء به الأصفهاني من قصص قصة قيس بن الملوح وحبيبته
ليلى، ولا بد أن نشير قبل أن نسرد القصة بأن الأصفهاني لم يكن يرتب
الأخبار ترتيبًا زمنيًا، لكنه كان يجمعها على هيئة أخبار وقصص جمعها من
الرواة، وقد حاولت هنا أن أعرضها بشكل مبسط مترابط.
قصة قيس وليلى في كتاب الأغاني
النهاية أولًا: في إحدى الليالي القديمة سنة 68 هجرية وجدوا شابًا ميتًا
في الطريق، عرفوه، إنه قيس بن الملوح، مجنون ليلى، قلبوه يمنة ويسرة
فوجدوا بحوزته ورقة كَتَبَ عليها لوالد ليلى:
ألا أيها الشيخ الذي ما بنا يرضى … شقيت ولا هنّيت من عيشك الغضّا
شقيت كما أشقيتني وتركتني … أهيم مع الهلّاك لا أطعم الغمضا
كأنّ فؤادي في مخالب طائر … إذا ذكرت ليلى يشدّ بها قبضا
كأن فجاج الأرض حلقة خاتم … عليّ فما تزداد طولا ولا عرضا
البداية ليلى تتمنع: ليلى العامرية، هذه الفتاة التي جُنَّ قيس بها، وهو
الشاب مليح الشكل، مشاعره مرهفة، قابلها ووقع حبها في قلبه، حاول أن
يتواصل معها كثيرًا فكان ينال منها القليل من الحديث، وهي تزداد تمنعًا
فقاربه اليأس حتى أخبرته قائلة:
كلانا مظهر للناس بغضاً … وكل عند صاحبه مكين
تبلغنا العيون بما أردنا … وفي القلبين ثم هوى دفين
كانت تخاف من قومها، وتخاف عليه، فإن شاع أمرهما لن يتزوجا أبدًا، لكن
قيس لم يستطع أن يكتم حبه لها، فقال كثيرًا من الشعر، وهذا الشعر انتشر،
والناس حفظته، فعرف كل الناس قصتهما.
ذهاب قيس لخطبتها: ولم يسكت عند هذا بل تقدم إلى خطبتها وفي الوقت نفسه
تقدم إليها شاب آخر يسمى "ورد" وقد أظهر أهلها القبول وبإن الخيار خيار
ليلى وعندما دخلوا إليها قالوا لها لو لم تختاري ورد سنقتلك، وهنا كان
الحكم الأبدي بعدم زواج ليلى وقيس.
سفر قيس للحج: لم يستطع قيس تحمل الرفض، لم تتحمل نفسه آلام الفراق
والبعد، وكاد يُجن، وهنا نصح الأهالي أبا قيس أن يأخذه للحج والدعاء له
عند أستار الكعبة، وسافر للحج لكن هناك سمع أيضًا بمنى صارخاً بالليل
يصيح "يا ليلى" فصرخ صرخة كادت نفسه تزهق معها ووقع مغشيًا عليه، ولم يزل
كذلك حتى أصبح فأفاق وهو حائل اللون وقال:
وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى … فهيج أحزان الفؤاد وما يدري
دعا باسم ليلى غيرها فكأنما … أطار بليلى طائرًا كان في صدري
دعا باسم ليلى ضلل الله سعيه … وليلى بأرض عنه نازحة قفر
فحتى الحج لم يعالجه، وخرج بعدها للصحراء، طال شعره جسده ورأسه وألفته
الوحوش، فعرفته وعرفهم، وأخذ يسير بهذا الشكل حتى وصل إلى الشام فيسأل
هناك عن "نَجْد" فيقولون له: وأين أنت من نجد، فقد شارفت الشام.
عندما قابل قيس زوج ليلى: وفي يوم قابل زوج ليلى فقال له:
بربك هل ضممت إليك ليلى … قبيل الصباح أو قبلت فاها
فأجابه زوجها: نعم، فأخذ قيس قطعة من الجمر وضمها حتى حرقت يديه وأغشى عليه.
بكاء تحت المطر: وفي يوم آخر أمطرت السماء بشدة، وفي الصباح كان الطقس
تحسن، فخرج رجل من بني عامر فرأى قيس يجلس وحيدًا يبكي فحدثه يهون عليه
فقال له:
جرى السيل فاستبكاني السيل إذ جرى … وفاضت له من مقلتي غروب
وما ذاك إلا حين أيقنت أنه … يكون بوادٍ أنت فيه قريب
يكون أجاجًا دونكم فإذا انتهى … إليكم تلقى طيبكم فيطيب
فلا خير في الدنيا إذا أنت لم تزر … حبيبًا ولم يطرب إليك حبيب
سفر زوج ليلى وذهاب قيس لملاقتها: قيس وليلى باتا يلتقيان من حين لآخر،
وقد سافر أبوها وأخوها إلى مكة، فأرسلت إليه جارية تخبره بهذا، فكان
يزوروها كل ليلة وقال في الليلة الأخيرة:
تمتع إلى أن يرجع الركب إنهم … متى يرجعوا يحرم عليك كلامها
وهكذا مرت حياة أعظم من أحب بين لقاء هنا وهناك وجنون ذهب بعقله حتى أصبح
مضرب الأمثال لكن هناك قصة صغيرة أخبرنا بها الأصفهاني قبل أن يخبرنا
بقصة ليلى، وطرح سؤالًا قال فيه "هل قيس شخصية حقيقية؟".
هل قيس شخصية حقيقية؟
يخبرنا الأصفهاني بمفاجأة تقول بأن هناك بعض المؤرخين ينفون وجود شخصية
(قيس: مجنون ليلى) من الأساس، فهو شخصية مُختلقة، لم يره أحد من قبل، ولم
يكن مجنونًا أيضًا. فيقول:
«حدثني أيوب بن عباية قال: سألت بني عامر بطنًا بطنًا عن مجنون بني عامر
فما وجدت أحدًا يعرفه».
وقال أحمد بن الحارث:
«أتعرف المجنون وتروي من شعره شيئًا؟ قال: أوقد فرغنا من شعر العقلاء حتى
نروي أشعار المجانين!، فقلت لست هؤلاء أعني، إنما أعني مجنون بني عامر
الشاعر الذي قتله العشق، فقال: هيهات! بنو عامر أغلظ أكبادًا من ذاك».
وهنا من يقول:
«رجلان ما عرفا في الدنيا قط إلا بالاسم: مجنون بني عامر وابن القرية».
حتى أنه قيل كل شعر كان مجهول صاحبه نُسب إلى قيس، وكل شعر وردت فيه ليلى
نسب إليه». فقصة ليلى قد تكون حقيقة وقد تكون غير حقيقية، قد يكون بها
بعض الحقيقة، وبها بعض الجنون وكثير من الخيال وإضافات السُمَّار
والحكائين عبر التاريخ، إلا أن الأمر الوحيد المؤكد أن قيس سيبقى رمزًا
لمن مات شهيدًا لحبه، وستبقى أبياته تنشد وتغنى وتحفظ كأعظم ما قيل في
الحب، وسيبقى اسمه قيس وليلى مقترنًا بأشهر القصص مثل روميو وجولييت
وعنترة وعبلة وشاه جان وممتاز محل.
الأصفهاني، وهو أحد كتب التراث العربي، ورد بها قصة قيس وليلى والمعروفة
بقصة مجنون ليلى.من منا لا يعرف كتاب «الأغاني» لصاحبه «أبو الفرج
الأصفهاني» فهو كتاب بلغت شهرته الآفاق، كأغنى الموسوعات الأدبية التي
أُلفت في القرن الرابع الهجري، وقد قام عليه صاحبه خمسين عامًا حتى انتهى
منه، ورغم أنه كتب في القرن الرابع الهجري إلا أنه صيته يصل إلينا حتى
وقتنا هذا، ونعرف بعض ما قيل فيه من قصص وأخبار عن الشعراء والخلفاء
والغناء وقصص الحب.
أحدث طبعات كتاب الأغاني من إصدار الهيئة العامة المصرية للكتاب.
من هو صاحب الأغاني أبو الفرج الأصفهاني؟
أبو الفرج الأَصْبَهاني (الأصفهاني) ولد سنة 284 هجرية وتوفي سنة 356
هجرية، واسمه «علي بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم بن عبدالرحمن بن
مروان بن عبد الله بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية القرشي»، من
علماء اللغة والأدب، ولد في أصبهان ببغداد، ونشأ وتوفي بها لذلك يقول
البعض عنه (الأصبهاني)؛ لذا بدأ الخلط عندما نسبوه إلى الفرس.
وسنعرض من ضمن ما جاء به الأصفهاني من قصص قصة قيس بن الملوح وحبيبته
ليلى، ولا بد أن نشير قبل أن نسرد القصة بأن الأصفهاني لم يكن يرتب
الأخبار ترتيبًا زمنيًا، لكنه كان يجمعها على هيئة أخبار وقصص جمعها من
الرواة، وقد حاولت هنا أن أعرضها بشكل مبسط مترابط.
قصة قيس وليلى في كتاب الأغاني
النهاية أولًا: في إحدى الليالي القديمة سنة 68 هجرية وجدوا شابًا ميتًا
في الطريق، عرفوه، إنه قيس بن الملوح، مجنون ليلى، قلبوه يمنة ويسرة
فوجدوا بحوزته ورقة كَتَبَ عليها لوالد ليلى:
ألا أيها الشيخ الذي ما بنا يرضى … شقيت ولا هنّيت من عيشك الغضّا
شقيت كما أشقيتني وتركتني … أهيم مع الهلّاك لا أطعم الغمضا
كأنّ فؤادي في مخالب طائر … إذا ذكرت ليلى يشدّ بها قبضا
كأن فجاج الأرض حلقة خاتم … عليّ فما تزداد طولا ولا عرضا
البداية ليلى تتمنع: ليلى العامرية، هذه الفتاة التي جُنَّ قيس بها، وهو
الشاب مليح الشكل، مشاعره مرهفة، قابلها ووقع حبها في قلبه، حاول أن
يتواصل معها كثيرًا فكان ينال منها القليل من الحديث، وهي تزداد تمنعًا
فقاربه اليأس حتى أخبرته قائلة:
كلانا مظهر للناس بغضاً … وكل عند صاحبه مكين
تبلغنا العيون بما أردنا … وفي القلبين ثم هوى دفين
كانت تخاف من قومها، وتخاف عليه، فإن شاع أمرهما لن يتزوجا أبدًا، لكن
قيس لم يستطع أن يكتم حبه لها، فقال كثيرًا من الشعر، وهذا الشعر انتشر،
والناس حفظته، فعرف كل الناس قصتهما.
ذهاب قيس لخطبتها: ولم يسكت عند هذا بل تقدم إلى خطبتها وفي الوقت نفسه
تقدم إليها شاب آخر يسمى "ورد" وقد أظهر أهلها القبول وبإن الخيار خيار
ليلى وعندما دخلوا إليها قالوا لها لو لم تختاري ورد سنقتلك، وهنا كان
الحكم الأبدي بعدم زواج ليلى وقيس.
سفر قيس للحج: لم يستطع قيس تحمل الرفض، لم تتحمل نفسه آلام الفراق
والبعد، وكاد يُجن، وهنا نصح الأهالي أبا قيس أن يأخذه للحج والدعاء له
عند أستار الكعبة، وسافر للحج لكن هناك سمع أيضًا بمنى صارخاً بالليل
يصيح "يا ليلى" فصرخ صرخة كادت نفسه تزهق معها ووقع مغشيًا عليه، ولم يزل
كذلك حتى أصبح فأفاق وهو حائل اللون وقال:
وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى … فهيج أحزان الفؤاد وما يدري
دعا باسم ليلى غيرها فكأنما … أطار بليلى طائرًا كان في صدري
دعا باسم ليلى ضلل الله سعيه … وليلى بأرض عنه نازحة قفر
فحتى الحج لم يعالجه، وخرج بعدها للصحراء، طال شعره جسده ورأسه وألفته
الوحوش، فعرفته وعرفهم، وأخذ يسير بهذا الشكل حتى وصل إلى الشام فيسأل
هناك عن "نَجْد" فيقولون له: وأين أنت من نجد، فقد شارفت الشام.
عندما قابل قيس زوج ليلى: وفي يوم قابل زوج ليلى فقال له:
بربك هل ضممت إليك ليلى … قبيل الصباح أو قبلت فاها
فأجابه زوجها: نعم، فأخذ قيس قطعة من الجمر وضمها حتى حرقت يديه وأغشى عليه.
بكاء تحت المطر: وفي يوم آخر أمطرت السماء بشدة، وفي الصباح كان الطقس
تحسن، فخرج رجل من بني عامر فرأى قيس يجلس وحيدًا يبكي فحدثه يهون عليه
فقال له:
جرى السيل فاستبكاني السيل إذ جرى … وفاضت له من مقلتي غروب
وما ذاك إلا حين أيقنت أنه … يكون بوادٍ أنت فيه قريب
يكون أجاجًا دونكم فإذا انتهى … إليكم تلقى طيبكم فيطيب
فلا خير في الدنيا إذا أنت لم تزر … حبيبًا ولم يطرب إليك حبيب
سفر زوج ليلى وذهاب قيس لملاقتها: قيس وليلى باتا يلتقيان من حين لآخر،
وقد سافر أبوها وأخوها إلى مكة، فأرسلت إليه جارية تخبره بهذا، فكان
يزوروها كل ليلة وقال في الليلة الأخيرة:
تمتع إلى أن يرجع الركب إنهم … متى يرجعوا يحرم عليك كلامها
وهكذا مرت حياة أعظم من أحب بين لقاء هنا وهناك وجنون ذهب بعقله حتى أصبح
مضرب الأمثال لكن هناك قصة صغيرة أخبرنا بها الأصفهاني قبل أن يخبرنا
بقصة ليلى، وطرح سؤالًا قال فيه "هل قيس شخصية حقيقية؟".
هل قيس شخصية حقيقية؟
يخبرنا الأصفهاني بمفاجأة تقول بأن هناك بعض المؤرخين ينفون وجود شخصية
(قيس: مجنون ليلى) من الأساس، فهو شخصية مُختلقة، لم يره أحد من قبل، ولم
يكن مجنونًا أيضًا. فيقول:
«حدثني أيوب بن عباية قال: سألت بني عامر بطنًا بطنًا عن مجنون بني عامر
فما وجدت أحدًا يعرفه».
وقال أحمد بن الحارث:
«أتعرف المجنون وتروي من شعره شيئًا؟ قال: أوقد فرغنا من شعر العقلاء حتى
نروي أشعار المجانين!، فقلت لست هؤلاء أعني، إنما أعني مجنون بني عامر
الشاعر الذي قتله العشق، فقال: هيهات! بنو عامر أغلظ أكبادًا من ذاك».
وهنا من يقول:
«رجلان ما عرفا في الدنيا قط إلا بالاسم: مجنون بني عامر وابن القرية».
حتى أنه قيل كل شعر كان مجهول صاحبه نُسب إلى قيس، وكل شعر وردت فيه ليلى
نسب إليه». فقصة ليلى قد تكون حقيقة وقد تكون غير حقيقية، قد يكون بها
بعض الحقيقة، وبها بعض الجنون وكثير من الخيال وإضافات السُمَّار
والحكائين عبر التاريخ، إلا أن الأمر الوحيد المؤكد أن قيس سيبقى رمزًا
لمن مات شهيدًا لحبه، وستبقى أبياته تنشد وتغنى وتحفظ كأعظم ما قيل في
الحب، وسيبقى اسمه قيس وليلى مقترنًا بأشهر القصص مثل روميو وجولييت
وعنترة وعبلة وشاه جان وممتاز محل.
تعليقات
إرسال تعليق